موئيز كوهين: عن العلاقة بين اليهود والاتحاديين والماسونيين ونهاية الدولة العثمانية
بقلم: محمد عبدالرحمن عريف
تركيا بوست
بداية يجب التذكير بأن الساحة الإعلامية والسياسية والثقافية العربية والإسلامية عرفت مواجهات حادة بين فصائل الصحوة الإسلامية وتياراتها من جهة وفصائل العلمانيين والحداثيين الرافضين لكل مظهر من مظاهر التدين التي تنخرط في الشأن العام، وعلى طول العالم العربي والإسلامي، بل حتى في ديار الغرب نفسه تتجمع فئات قليلة العدد، كبيرة العدة، من الرافضين المنكرين للبعد الإسلامي في المجتمعات الإسلامية، أو للحضور الإسلامي في الغرب، وتتركز المواجهات حول قضايا مركزية مثل: الإسلام والشأن العام، والمرأة، والتربية والتعليم، والتطبيع مع الصهاينة، وحول هذه القضايا وقع تحالف غريب بين اليساريين والماسونيين للوقوف صفاً واحداً ضد عودة المسلمين إلى الالتزام الديني في شؤون حياتهم الخاصة والعامة([i]).
في محاولة الكشف عن كيف وقع التحالف بين الماسونيين واليساريين؟، وعلى لسان أحد الماسونيين الفرنسيين المطلعين على خفايا التنظيم الماسوني تاريخاً وواقعاً ومستقبلاً، ويرى الدكتور عبد الوهاب المسيري أن ثمة علاقة بنيوية وفعلية بين الماسونيين وأعضاء الجماعات اليهودية تفسر انخراط اليهود بأعداد كبيرة في المحافل الماسونية”، وبعد تفسير الظاهرة يخلص المسيري إلى أن هذا الانخراط “لا يعدو أن يكون مجرد ظاهرة اجتماعية([ii]). وقد صدرت عدة كتب ومؤلفات وتحقيقات ومقالات عن الماسونية في كل بقاع الدنيا غير أن أبلغها شهادات أعضاء سابقين في المحافل الماسونية، ومنها كتاب “إخواني الأحبة: تاريخ وانحراف الماسونية” للكاتب الفرنسي([iii]).
كان الشباب العثماني المثقف في النصف الثاني من القرن التاسع عشر قد تأثر بافكار الثورة الفرنسية، التي حققت حكمًا ديمقراطيًا في فرنسا وأتت بأفكار القومية والعلمانية والتحرر من حكم الفرد، وكذلك تأثر بالحركة القومية الايطالية التي قادها (ماتزيني) بنظمها وخلاياها، وكانت الدولة العثمانية قد تعرضت لحملات عسكرية واعلامية، غرضها إضعاف الدولة ومن ثم العمل على تفتيتها وكانت الدول الأوروبية تتخذ من أوضاع النصارى في الدولة حجة للتدخل، وفي هذه الظروف وبالضبط في عام 1865م، كان ستة من الشباب العثمانيين المثقفين يُسرُّون عن أنفسهم في حديقة في ضواحي أسطنبول تسمى (غابة بلغراد). تحدث هؤلاء الشباب في موضوعات سياسية، وخرجوا بفكرة تكوين جمعية سرية، على نمط جمعية (إيطاليا الفتاة) التي أسسها الزعيم الايطالي (ماتزين) عام 1831م، بهدف الوحدة الايطالية تحت راية الجمهورية، أطلق هؤلاء الشباب على جمعيتهم هذه اسم (اتفاق الحميّة) ومن ضمن هؤلاء الشبان الشاعر الذي أصبح فيما بعد واسع الشهرة: نامق كمال. ورأوا أن العمل لابد أن يكون في شكل تعريف الشعب بحقوقه السياسية، وحصوله عليها، وبالتالي فإن رغبة الشعوب النصرانية في الاستقلال بمناطقها عن الدولة، لن تجد لها ما يبررها من تدخل أجنبي بحجة مساندة الأقليات الدينية، وكانوا يرون أن إنقاذ الدولة من حالة التردي التي وصلت إليها يكون، بإيجاد نظام سياسي ديمقراطي وكان في فرنسا في تلك الفترة مصطفى باشا الأمير المصري الذي نازع فؤاد باشا رغبة في تولي عرش مصر وفي فرنسا أعلن الأمير أنه ضمن التيار المنادي بالدستور في الدولة العثمانية، وقدم نفسه بعبارة ممثل حزب تركيا الفتاة وأعجب هذا الاسم المجتمعات الأوروبية المعنية فشاع اسم “حزب تركيا الفتاة” في أوروبا.
ألتحق ثلاثة من الاعلاميين الثوريين العثمانيين هم: نامق كمال، ومحمد ضياء وعلي سعاوي، بالأمير المصري مصطفى فاضل في باريس وكونوا منظمة أسموها جمعية “العثمانيين الجدد”. وكان أبرز شخصيات جمعية العثمانيين الجدد إعلاميين وشعراء وأدباء وعلى رأسهم نامق كمال وعلي سعاوي. وكان من أشهر تلك الشخصيات تأثيراً على الساحة الأوروبية نامق كمال الذي تثقف ثقافة إسلامية، وكما تأثر بفلاسفة الثورة الفرنسية، مثل (روسو). وله حياة أدبية واسعة وكتابات امتدت عبر ربع قرن عبر عن أفكاره من خلال الشعر، والإعلام، والكتابة والتاريخ وكانت كتاباته تسعى للاجابة عن ثلاثة أسئلة هي، ما هي أسباب انحطاط الدولة العثمانية؟. ما هي الطرق التي يمكن بها أن نوقف هذا الانحطاط؟. ما هي الإصلاحات اللازم عملها في هذا السبيل؟.
يمكن أن تجزم بأن إنساناً ما، يستطيع عمل أمر ما، أو لا يستطيع. لكنك لا تستطيع القطع بهذا بشكل من الأشكال، وأنت تفكر في كمال بك. ذلك لأنه هو نفسه لا يعرف نفسه تستطيع القول أنه واحد من الأشخاص النادرين، الذين يحيون حياتين مزدوجتين، كل حياة تختلف عن الأخرى حسب مزاجه. من يعرفونه عن قرب، يعرفون أنه: عندما كان على وئام مع السراي كتب (التاريخ العثماني) وعندما فسدت هذه العلاقة، يعرفون أنه قطع رأس التنين بقوله: (كلب هو الذي يأمن لخدمة صياد غير منصف). إنه إنسان متقلب. ربما كان إنساناً مخلصاً جداً، يمكنك خلال ساعات أن تجعله يفكر مثلك، ولا يمكنك معرفة عدد الساعات أو الأيام التي سيحمل فيها هذه الأفكار)([iv]).
بعد أن وجد السلطان عبدالحميد أن جماعة العثمانيين الجدد بقيادة مدحت باشا تمارس ضغطاً متواصلاً لقبول أفكارها، وأجبرته على دخول الحرب العثمانية الروسية، عمل على تشتيت أعضاء هذه الجمعية؛ فبدأ بنفي كبيرها وهو الصدر الأعظم مدحت باشا. بعد ذلك مباشرة، قامت ضد السلطان مؤامرتان لخلعه. واحدة بقيادة علي سعاوي وهو من أعضاء هذه الجمعية. والاخرى ماسونية قامت بها جميعة كلانتي سكالييري – عزيز.
والمؤمرتان مدعومتان من إنكلترا، وفشلت كلتاهما، لكنهما جعلت السلطان يتشدد في مراقبة الفكر الوافد والمتأثرين به، وقامت أثناء ذلك أيضاً خلية سرية، من طلاب المدرسة الحربية، في اسطنبول من أصحاب الفكر الجديد، هدفها مقاومة حكم السلطان عبدالحميد، حيث استطاع أحد أعضاء جمعية (كلاني-عزيز بك) الماسونية وهو (علي شفقتي بك) الفرار إلى نابولي، وإلى جنيف، حيث أصدر بين عامي 1879م و1881م، جريدة مناهضة للحكم العثماني، بعنوان (استقبال) بمعنى المستقبل.
وفي عام 1889م تأسست منظمة طلابية في المدرسة العسكرية الطبية في استطنبول، حيث كان بعض الأساتذة هناك يحرضون الطلاب بشكل أو بآخر للقيام بمعارضة الحكم، ونشر أفكار العثمانيين الجدد بين الطلاب، وكان المؤسس لهذه المنظمة إبراهيم تيمو الروماني الذي تأثر بالمحافل الماسونية الإيطالية. وأطلق على هذه المنظمة الاتحاد العثماني واختاروا يوم الاحتفال بذكرى الثورة الفرنسية المئوية، تاريخاً لإنشاء منظمتهم وجعلوا من أهدافهم مقاومة حكم السلطان عبدالحميد، وتكوين دولة مناسبة لأفكار العصر السياسية، تتخذا من الدول الغربية نموذجاً لها، مثل إنكلترا وفرنسا ألمانيا، والمناداة بالدستور والحرية والديمقراطية([v]).
ومن المدرسة العسكرية الطبية، سرت أفكار جمعية (الاتحاد العثماني) إلى مختلف المدارس العليا الأخرى. وكانت خلايا جمعية الاتحاد هذه سرية على نظام جميعة (الكاربونارى) الإيطالية. ولم تكن الجمعية متعجلة، لا في الدعاية لأفكارها، ولا في الحركة ضد السلطان. حتى إن أحمد رضا بك قد وصل إلى منصب مدير ادارة المعارف في منطقة بوصة، وسافر عام 1889م إلى باريس بحجة حضور معرض باريس الدولي، ووصل إلى هناك، وأعلن أنه لن يرجع إلى بلاده. ومكث في فرنسا حوالي ست سنوات، لم تصدر عنه حركة معارضة جديرة بالتسجيل، إلى حين أصدر جريدته (مشورات) عام 1895م.
ويذكر مؤسس جمعية الاتحاد -وهو إبراهم تيمو- أنه كان يمضي أوقاته في الخارج -حتى عام 1895م- بمحاولة كسب أعضاء جدد لمنظمتهم، لتربيتهم تربية ثورية، ويعقد الاجتماعات السرية، وقراءة الأعمال الأدبية التي ألفها أعضاء جمعية العثمانيين الجدد، مثل نامق كمال وضياء باشا وقراءة منشورات على شفقتي بك -عضو كلانتي الماسونية- وكان فاراً في أوروبا.
ونتيجة للمراسلات السرية بين أعضاء جمية الاتحاد العثماني السرية في الداخل وفي الخارج تم الاتفاق على وحدة العمل العسكري والمدني ضد السلطان، وعلى اعتماد اسم (جمعية الاتحاد والترقي) للجناحين المعارضين، العسكري والمدني، اللذين يعملان في إطار الجمعية. واستطاعت الجمعية بالفعل إجبار السلطان في 24 تموز/ يوليو 1908م على إعلان الدستور الذي كان قد أمر سابقاً عام 1877م بوقف العمل به([vi]).
وكان الفكر السياسي لجمعية الاتحاد والترقي يؤكد على المفاهيم الطورانية على المستويين الداخلي والخارجي، والطورانية تسمية تشير إلى وطن الأتراك الأصلي ونسبته إلى جبل توران الواقع في المنطقة الشمالية الشرقية في إيران. وكان داخل حركة الاتحاد والترقي اتجاهاً قوياً يؤكد أن الترك هم من أقدم أمم الأرض وأعرقها مجداً وأسبقها إلى الحضارة، وأنهم هم والجنس المغولي واحد في الأصل، ويلزم أن يعودوا واحداً ويسمون ذلك بالجامعة الطورانية ولم يقتصرا فيها على الترك الذين في سيبريا وتركستان والصين وفارس والقوقاز والأناضول وورسيا وكان شعارهم عدم التدين وإهمال الجامعة الاسلامية إلا إذا كانت تخدم القومية الطورانية، فتكون عندئذ وسيلة لا غاية وهذا يعني أن هذا الاتجاه يدعوا إلى إحياء عقائد الترك الوثنية السابقة على أسلافهم، كالوثن التركي القديم (بوزقورت) أو الذئب الأبيض -الأسود الذي صوروه على طوابع البريد ووضعوا له الأناشيد وألزما الجيش أن يصطف لإنشادها عند كل غروب، وكأنهم يحلون تحية الذئب محل الصلاة، مبالغة منهم في إقامة الشعور العرقي محل الشعور الاسلامي([vii]).
وكان تأثير اليهود على الطورانية أمر واضح وفي هذا الصدد يقول نيازي بركس في كتابه (المعاصرة في تركيا)، (أن لليهود الأوروبيين واليهود المحليين) في الدولة العثمانية في القرنيين التاسع عشر والعشرين دوراً ضخماً في إرساء تيار القومية الطورانية فالعلماء اليهود في الغرب مثل لومالي دافيد وليون كاهون وارمينيوس فاميري تصدوا للكتابة عن أصول الفكرة القومية الطورانية كما أن اليهود المحليين في الدولة العثمانية، مثل كراسوا (قراصو) وموئيز كوهين وابارهام غالانتي، كان لهم ضلع في جمعية الاتحاد والترقي وبمجرد أن نجحت هذه الجمعية في الإطاحة بحكم عبدالحميد ومن ثم الاستيلاء على السلطة تقدم الصهاينة إلى الاتحاديين برغبتهم في أن تعترف الجمعية بفلسطين وطناً قومياً لليهود…). وقد ذكر نيازي بركس في كتابه السابق اسم اليهودي موئيز كوهين الذي وصفه رينيه بيلو قائلاً (إن كوهين هو من مؤسسي الفكر القومي الطوراني في الدولة العثمانية. وإن كتاب مؤئيز كوهين هو الكتاب المقدس للسياسة الطورانية)، وكان اليهودي موئيز كوهين نشطاً جداً في التعريف بحركة الاتحاد والترقي في الصحف الأوروبية، فقد كان يعرف بجانب العبرية والتركية، عدة لغات أوروبية، وبدأ هذا بمقال باللغة الفرنسية يحمل عنوان (الأتراك يبحثون عن روح قومي).
لقد أسهم موئيز كوهين في التخطيط للسياسة العنصرية الطورانية التي سارت عليها جميعة الاتحاد والترقي وهي السياسة التي شقت شعوب الدولة العثمانية وأوجدت بينها العداوة والبغضاء.
وكان هذا اليهودي لا يكل ولا يمل في نشر الفكر القومي التركي لتفتيت الدولة العثمانية. وكتب ثلاثة كتب اعتمدت عند جمعية الاتحاد والترقي وهي (ماذا يمكن أن يكسب الأتراك من هذه الحرب) و(الطوران) و(سياسة التتريك). كما أسهم هذا الكاتب اليهودي في الكتابة للفكر الكمالي بكتابة (الكمالية) وكتابة (الروح التركية) الذي أرخ فيه التطور العنصر التركي([viii]).
لقد قامت جمعية الاتحاد والترقي على إثارة المشاعر القومية عند الأتراك، تحت حلم الطورانية، وقد نادت بمفاهيم جديدة مثل الوطن والدستور والحرية، وكانت هذه المفاهيم غريبة على العثمانيين، وقد ضمت في صفوفها مجموعة من الشباب المثقفين الأتراك، بالإضافة إلى يهود الدونمة وكانت الغاية منها الإطاحة بحكم عبدالحميد الثاني([ix]).
الواقع أن لجنة الاتحاد والترقي لم تكن لها الجرأة الكافية على نشر دعايتها ضد السلطان عبدالحميد الثاني بين الجنود، لأن هؤلاء كانوا يبجلون السلطان. إن الصهيونية العالمية لم تقتصر على الانقلاب الدستوري لعام 1908م، بل تعاونت مع جمعية الاتحاد والترقي لتحقيق مكاسب أخرى في فلسطين، وعليه كان لابد من التخلص من السلطان عبدالحميد الثاني نهائياً ولذلك دبرت أحداث في 31 نيسان/ أبريل 1909م في اسطنبول وترتب على أثرها، اضطراب كبير قتل فيه بعض عسكر جمعية الاتحاد والترقي، عرف الحادث في التاريخ باسم حادث 31 مارت. وقد حدث هذا الاضطراب الكبير في العاصمة بتخطيط أوروبي يهودي، مع رجال الاتحاد الترقي وتحرك على أثره عسكر الاتحاد والترقي من سلانيك ودخل استانبول، وبهذا تم عزل خليفة المسلمين السلطان عبدالحميد الثاني من كل سلطاته المدنية والدينية([x]).
الوثائق تؤكد اليوم أن الماسونية استغلت الثورة العلمانية، أي فصل الدين عن الدولة للإطاحة بالخليفة العثماني عبد الحميد، ومجيء الاتحاد والترقي الجناح العسكري لحزب تركيا الفتاة إلى الحكم سنة 1908م، ذو التوجه القومي العلماني، وانتقامًا من السلطان لرفضه صفقة تيودور هرتزل. فعضوية قادة حركة الاتحاد والترقي في المحفل الماسوني بروما أمر يؤكده السفير البريطاني في استنبول (السير جيرارد لاوث)، ففي ما جاء في الرسالة أن الماسونية الأوروبية تسيطر على الاتحاد والترقي أي الجناح العسكري لحركة تركيا الفتاة. وإنها من وراء الإطاحة بالسلطان عبد الحميد العثماني انتقاماً منه لرفضه هجرة اليهود إلى فلسطين، وتسليمها لهم. والمؤكد أيضًا أن إلغاء مصطفى أتاتورك للخلافة الإسلامية سنة 1924 والتمكين للثقافة والدولة العلمانيتين بتركيا مؤامرة تحالفت فيها ماسونية والاستعمار ضد شريعتنا([xi]).
كانت صلابة عبد الحميد الثاني سببًا رئيسًا في تأخير مشروع الصهيونية العالمية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين؛ لذلك سعى اليهود للإيقاع بالسلطان وتشويه صورته أثناء حكمه، وكذلك في التاريخ، وتغلغل بعضهم في جمعية الاتحاد والترقي التي أسقطت السلطان، وكان على رأسهم “عمانويل كراسو”([xii]).
على الرغم من معاملة السلطان عبد الحميد لليهود أثناء توليه الخلافة العثمانية، ومع ما قام به أولئك ضده والعمل من اجل الثورة عليه وخلعه من سلطنة الدولة([xiii])، وبتكليف من جمعية الاتحاد والترقي تم تكوين لجنة لإبلاغ خليفة المسلمين وسلطان الدولة العثمانية عبدالحميد الثاني بقرار خلعه. وكانت هذه اللجنة تتألف من: إيمانويل قراصو: وهو يهودي أسباني. كان من أوائل المشتركين في حركة تركيا الفتاة وكان مسؤلاً أمام جميعة الاتحاد والترقي عن إثارة الشغب وتحريضه ضد السلطان عبدالحميد الثاني وتأمين التخابر بين سلانيك واستانبول فيما يتعلق بالاتصالات الحركة. آرام: وهو أرمني عضو في مجلس الأعيان العثماني. أسعد طوبطاني: وهو ألباني، نائب في مجلس المبعوثان عن منطقة دراج. عارف حكمت: وهو فريق بحري وعضو مجلس الأعيان، وهو كرجبي العراق([xiv]).
سبق ذلك أن انطلق الجنود القادمون إلى إسطنبول من الجيش الثالث وهتفوا “نطالب بالشريعة” وأعلنوا التمرد. وهذا كله بغياب الضباط وبرئاسة عرفاء، وطالبوا أمام مسجدي آيا صوفيا والسلطان أحمد بعزل الصدر الأعظم حسين حلمي باشا ورئيس مجلس المبعوثان “أحمد رضا بك” ونفي “الاتحاديين”، وانضم إليهم حشود من أصناف الشعب وخاصةً الحمالين([xv]).
سبق وجاءت مراقبة عبدالحميد لأعضاء هذه الحركة في وقت متأخر، حيث دفعوا الأهالي الى مظاهرات صاخبة في سلانيك ومناستر واسكوب وسوسن مطالبين بإعادة الدستور، بالإضافة إلى أن المتظاهرين هددوا بالزحف على القسطنطينية. الأمر الذي أدى بالسلطان إلى الرضوخ على مطالب المتظاهرين حيث قام بإعلان الدستور وإحياء البرلمان وذلك في 24 تموز/ يوليو 1908م، وكانت هناك عدة أسباب جعلت من جميعة الاتحاد والترقي أن تبقي السلطان عبدالحميد الثاني في تلك الفترة على العرش منها أنه لم تكن في حوزة الاتحاد والترقي القوة الكافية بعزله في عام 1908م. وأن اتباع عبدالحميد الثاني سياسة المرونة معهم، وذلك بتنفيذ رغباتهم بإعادة الدستور. إضافة لولاء العثمانيين لشخص السلطان عبدالحميد. وهذه النقطة واضحة، حيث أن لجنة الاتحاد والترقي لم تكن لها الجرأة الكافية على نشر دعايتها ضد السلطان عبدالحميد الثاني بين الجنود، لأن هؤلاء كانوا يبجلون السلطان([xvi]).
وقد حدث هذا الاضطراب الكبير في العاصمة بتخطيط أوروبي يهودي، مع رجال الاتحاد الترقي وتحرك على أثره عسكر الاتحاد والترقي من سلانيك ودخل استانبول، وبهذا تم عزل خليفة المسلمين السلطان عبدالحميد الثاني من كل سلطاته المدنية والدينية. ثم وجهت إليه جمعية الاتحاد والترقي التهم، ومنها تدبير حادث 31 مارت. وإحراق المصاحف. والإسراف. والظلم وسفك الدماء([xvii]).
مع أن جميعة الاتحاد والترقي العثمانية، تبنت الأفكار الغربية المضادة للاسلام وللفكر الاسلامي؛ لكنها استغلت الدين عند مخاطبتها للناس للتأثير فيهم، وكسب أنصار لهم في معركتهم ضد السلطان عبدالحميد الثاني. وقد نجحوا في ذلك([xviii]).
سيظل يذكر التاريخ بأن نهاية الخلافة، بدأت حين قامت بعض الجمعيات بحركات ضد السلطان عبد الحميد، تحت أسماء مختلفة أهمها حركة تركيا الفتاة، وحركة حزب الاتحاد والترقي، الذي شمل بعض اليهود في عضويته وورط البلاد في حروب ونزاعات وأرغم قادته المسيطرون عليه الدولة على الانخراط في الحرب العالمية الأولى بعد أن قضوا على حكم عبد الحميد، وتبنوا الأفكار التي فرقت بين أبناء الدولة المسلمين([xix]).
1
([i])حسن السرات، تحالف الماسونية واليسارية في العالم الإسلامي، هسبريس، 21 نيسان/ أبريل 2008.
([ii])عبدالوهاب المسيري، اليد الخفية، دراسة في الحركات اليهودية الهدامة والسرية، ط[2] (القاهرة: دار الشروق، 2001)، ص[116-141].
([iii])حسن السرات، تحالف الماسونية واليسارية في العالم الإسلامي.
([iv])مذكرات السلطان عبدالحميد، تقديم محمد حرب، ط [1] (دار القلم، 1412هـ/ 1991م) ص[47].
([v])محمد حرب، السطان عبدالحميد الثاني، ص[279].
([vi])محمد حرب، السطان عبدالحميد الثاني، ص[281].
([vii])أحمد نوري النعيمي، اليهود والدولة العثمانية، ص[164].
([viii])محمد حرب، العثمانيون في التاريخ والحضارة، ص[122].
([ix])أحمد نوري النعيمي، اليهود والدولة العثمانية، ص[168].
([x])محمد عبدالرحمن عريف، من عزل السلطان عبدالحميد الثاني، شبكة ضياء، كذلك المجلة الجزائرية.
([xi])محمد طلابي، من أجنحة المكر الماسونية، التجديد، 8 شباط/ فبراير 2008.
([xii])مصطفى عاشور، عبد الحميد الثاني وجدل لم ينتهِ (في ذكرى ميلاده: 16 شعبان 1258هـ)، ارشيف إسلام أون لاين.
([xiii])محمد السوسي، السلطان عبد الحميد والتآمر الصهيوني على فلسطين، العلم، 12 شباط/ فبراير 2009.
([xiv])محمد عبدالرحمن عريف، من عزل السلطان عبدالحميد الثاني.
([xv])محمد عبدالرحمن عريف، قراءة في العلاقات التركية الإسرائيلية بين عامي 1949 و1960.
([xvi])أحمد نوري النعيمي، اليهود والدولة العثمانية، ص[168].
([xvii])محمد حرب، العثمانيون في التاريخ والحضارة، ص[55].
([xviii])محمد حرب، العثمانيون في التاريخ والحضارة، ص[55].
([xix])سميرة سليمان، ذكرى سقوط الخلافة العثمانية.. إمبراطورية دان لها العالم وخذلها السلاطين، هسبريس، 5 آزار/ مارس 2009.
المصدر: تركيا بوستا