Friday, August 24, 2018

الدين والعقل .... بين التدبر والنقل


بروفيسور هندي في جراحة الأعصاب يشار إليه بالبنان في تخصصه.. كل شيء فيه يجعلك تحترمه ، ذكاؤه .. حنكته.. دقة ملاحظته واستنتاجاته .. دون أن ننسى أبحاثه ونتائج عملياته الجراحية ...
يوجد بالفيلا التي يقطن فيها حديقة واسعة فيها أشجار وحشائش وورود ، منتجع من الطراز الذي نراه في المنتجعات الأوروبية ... لكن ما يثير الانتباه فيها هو تلك البقرة الضخمة التي تتجول بحرية وكأن كل هذا الحشائش قد زرعت خصيصا من أجلها ، ينحني الرجل أمامها بإجلال واحترام ..... إذا هو من عبدة البقر ... تنتاب البقرةَ رغبة في التّبول .. فتجد هذا الطبيب يهرول مسرعا نحوها .. هل أصابها مكروه ما ؟؟؟  أم ماذا ؟ هل هذه هلوسة أم أن
الرجل حقا مخبول؟ إنه يقوم بأقذر شيء شاهدته في حياتك .. يتمسح ويتبرك ببول البقرة .. يغسل يديه .. يمسح وجهه !!! ما هذه القذارة ؟؟؟؟
بعض الناس لهم لحظات جنون .. ويبدو أن هذه لحظة دكتورنا !!!!
حسناً ماذا أصاب الرجل ؟ كلنا يعلم أن هناك من يعبد الشمس أو البقر أو حتى الشيطان .. لكن مهما كانت سعة خيالك لن تتصور ما قام به ...
فالرجل ليس رجلا عادياً .. بل طبيبٌ جراح في أعقد وأدق التخصصات الطبية ... جراحة الأعصاب , فما الذي جعله يفعل ذلك ؟؟
كل ما هنالك أن سيادة الطبيب ورث الأمر عن أبويه اللذان ورثاه عن أبويهما.. وهكذا دواليك  ... حسنا فأين العقل الذي أوصله الى أعلى مراتب العلم ؟؟ أين التفكير المنطقي ؟ أين .. وأين ...
ببساطة لا عقل ولا منطق في أمور اللاهوت أو أمور الدين .. الرجل أطلق العنان لعقله في تخصص الجراحة فأبدع وذاع صيته في الآفاق ...
أما في أمور العقيدة فصنع حاجزا من الفولاذ السميك بينه وبين عقله بحيث لم يترك بصيصا من نور العقل يستطيع أن يتسرب إلى تلك المنطقة أبداً . ولا حتى بمجرد التفكير أو المحاولة ...
ما دخلنا نحن بذلك ؟؟ ولماذا نتحدث عن الرجل ؟؟
ببساطة لأن العديد من المسلمين يتصرفون مثل هذا الهندي.. طبعا لا أقصد عبادة البقر بالذات، ولكن ما ألجأه إلى عبادة البقر .. وهو وضع حدود وقيود للعقل لا يسمح لنفسه بتجاوزها .. فهناك مجالات لا يسمح للعقل بالخوض فيها بحجة أن الأمر فوق تخصّصه , أو أنه من المسلمات التي لا تقبل النقاش .. أو أن الأمر غيبي لا يجوز الاقتراب منه , أو أن الرواية صحيحة , صححها من هو خير وأعلم مِنَّا , ولا يجوز لنا التشكيك فيها لأنه إذا صح النقل بطل استخدام العقل .. والى ما هنالك من حواجز ومطبات اصطناعية وضعت لنا كمسلمين كما وضعت لغيرنا ولا يحق لنا تجاوزها ...وهذا بالضبط موضوع تساؤلنا .. هل للعقل حدود يجب الوقوف عندها باستثناء الغيب الذي حدده الله وطالبنا بالإيمان به عبر كل الكتب والشرائع ( الله , الملائكة ,الحساب , الجنة , النار , ....) والتي استغل البعض هذه الغيبيات لتمرير
روايات أشبه ما تكون بالخرافات استنادا الى أنها من علوم الغيب وأن الرسول قد حدث عنها .... أم أن المجال مفتوح أمام العقل للإبحار في علوم الدين كما هو الحال في علوم الدنيا فما كان بالأمس غيبا في علوم الدنيا أصبح اليوم حقيقة ملموسة .... وهل يجوز لنا القياس على ذلك أم لا ؟؟
وبتعبير آخر هل كل ما هو مطلوب منا في علوم الدين أن نكون مقلدين ومتبعين لمن قبلنا أم يجب علينا استخدام العقل دائماً في كل ما يُريبنا من هذه الأمور والتساؤل عنها لنصل الى القناعة الكاملة فنكون مؤمنين عن قناعة لا عن تقليد أعمى ,,,
أسئلة كثيرة تحتاج الى إجابات واضحة دون التفاف حول الحقيقة أو حول صلب الموضوع .
لن أتدخل كثيرا في الإجابات تاركا المجال لغيري للنقاش البنَّاء الهادف متمنيا أن لا تأخذ قِصة الهندي جُلَّ الحوار بإلقاء اللوم عليه وعلى أمثاله ..
متمنيا الفائدة للجميع ......

طرح.  عبد الرحمن قدور

No comments:

Post a Comment